رواية كافكا على الشاطئ لهاروكي موراكامي
كافكا على الشاطئ نشرت هذه الرواية سنة 2002، على يد هاروكي موراكامي، تعد أول رواية أقرأها لهذا الكاتب الياباني الفذ الفريد من نوعه ، أهم شخصيات روايته هم "كافكا تامورا" ،وهو اسم مستعار لفتى الخمسة عشرة ربيعا ،الذي قرر الفرار من بيته يوم عيد ميلاده هربا من نبوءة والده ولعنة قدره التي تلاحقه، كافكا مراهق يعشق قراءة الكتب ويداوم على ممارسة الرياضة ، يستقر ببلدة تاكاماتسو ليعمل بمكتبة صغيرة ،تملكها الآنسة ساييكي ، التي يكتشف فيما بعد أنها والدته التي تركته صغيرا، يصادق كافكا أمين المكتبة أوشيما اللذان يتشاركان حب الكتب و رغم اكتشافه أنه مخنث إلا أن هذه الحقيقة لا تغير من جوهر صداقتهما.
شخصية رئيسة أخرى هي ناكاتا الرجل الطيب ،يعاني من تخلف عقلي و انخفاض مستوى ذكائه بسبب حادثة أيام طفولته ؛في رحلة مدرسية في الغابة يفقد ستة عشر طفلا وعيهم دون سبب واضح اختلفت التأويلات لكن اللغز بقي غامضا لكن الطفل الوحيد الذي لم يستعد وعيه إلا بعد أسبوعين كان ناكاتا كما تسسببت له هذه الحادثة تخلفا وفقدانا كليا للذاكرة ، لكنه بالمقابل اكتسب هبة محادثة القطط ، وامتلك قدرة عجيبة لإسقاط السمك و العلق من السماء. امتهن النجارة لزمن طويل.
في رحلة بحث عن قطة مفقودة يضطر ناكاتا ليخالف طبيعته ويقتل والد كافكا بأمر منه ، لأنه لم يستطع كبح جماح نفسه وصدها عن الشر الذي تسسببه للعالم وللقطط على وجه الخصوص ؛ فكان يتلذذ بقتل القتل بوحشية و أكل قلوبها الطازجة فيحتفظ برؤوسها في ثلاجته سعيا منه لجمع أرواحها ليصنع أطول ناي في العالم، يلوذ ناكاتا بالفرار بعدها نحو وجهة جديدة بحثا عن مدخل الحجر لغز آخر في الرواية .
تبدأ الشرطة تحقيقاتها للوصول للجاني، فتحوم الشكوك حول الإبن كافكا و ناكاتا الرجل العجوز بسبب توجهه لمركز الشرطة للإعتراف بجريمته قبل إكتشاف الجثة، إلا أن شرطيا تركه يمضي في سبيله ظنا منه أنه مجرد عجوز بائس فقد عقله بسبب كلامه اللامفهوم. أما كافكا فيغادر المكتبة بإتجاه كوخ بعيد في غابة غريبة هي الأخرى تملكها عائلة أوشيمو؛ فيما تتحقق نبوءة والده التي فر هاربا منها إلا قدره لاحقه حتى آخر لحظة.
يتشارك ناكاتا مغامرته للبحث عن مدخل الحجر مع السائق الشاب هوشينو ، الذي تخلى عن حياته وعمله ليساند ناكاتا في حل لغز حجر المعبد ، واستعادة طبيعته، تتشابك خيوط الرواية لتنتهي عند مكتبة الآنسة سوسيكي التي كانت تنتظره منذ زمن بعيد ، ولأنني أود أن يستمتع القارئ بتفاصيل رائعة موراكامي أكتفي بهذا القدر من السرد. تجدر الإشارة إلى أن اسم الرواية هو نفسه اسم الأغنية التي ألفتها الآنسة ساييكي لحبيبها و اللوحة التي أهداها لها .
كافكا على الشاطئ رواية بأحجيات كثيرة وألغاز قد لا يستطيع القارئ فكها من قرائته الأولى للكتاب، وأظن أن الراوي تعمد إدراج ألغاز دون حلول، عند قرائتك لها تستشعر للوهلة الأولى أنك ولجت إلى متاهة لا تعرف سبيل الخروج منها ،فعليك التحلي بالصبر و التركيز لفهم كل خيوط الرواية اغامضة ، تسير الرواية في خطين متوازيين فتبدأ بالتساؤل ما عوامل الإشتراك بين كل تلك الأحداث فليس هناك سبيل للتنبؤ بالأحداث يفاجئك الكاتب كل مرة ويوقظ حواسك لمواصلة السير نحو نهاية عالمه الغريب الذي ستكتشف فيما بعد أنه لم يحدد له معالم النهاية في حقيقة الأمر.
كافكا أو الغراب باللغة التشيكية رمز الحكمة يفر من حياته الأليمة بحثا عن الحب و الصداقة و ذاته الضائعة وخلاصا من لعنة والده ، وكأن الرواية عبارة عن حلم أو كابوس تستشعر أن الكاتب نفسه لا يعلم إلى أين ستؤول الأحداث. أسلوب موراكامي سهل ممتنع مشوق أخاذ ، فقط أترك نفسك تخوص مع أحداث الرواية لن تحس بالملل بينما سيحثك فضولك عن عدم الكف أو التوقف عن مواصلة القراءة .
أبدع الكاتب في سرد التفاصيل وامتلك قدرة عجيبة على إيهامنا بواقعية أحداث روايته، فوددت أن أستمع لأغنية كافكا على الشاطئ خيل إلي أنها حقيقية ، كما تمنيت تذوق الحنكليس الذي أحبه العجوز ناكاتا ، حسدت كافكا لعيشه في ذلك الكوخ البسيط وسط الطبيعة العذراء وتمنيت أنني أمتلك مكتبة كالتي إمتلكتها الآنسة ساييكي ...
من أكثر الإقتباسات التي شدتني للرواية هي مقولة جاءت على لسان والدة كافكا :
"القوة التي أبتغيها ليست تلك القوة التي تفرق بين الفوز والخسارة. أنا لا أبحث عن جدار يصد القوة القادمة من الخارج. ما أريده هو أن أكون قادرا على امتصاص تلك القوة القادمة من الخارج، والوقوف ندا لها. القوة التي تحمل الأشياء بهدوء - أشياء مثل الظلم، سوء الحظ، الحزن، الأخطاء، سوء الفهم....".