رواية وبعد لغيوم ميسو
وبعد، أول رواية أقرأها لغيوم لميسو، الكاتب الفرنسي الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة ولهم كل الحق فروايته "وبعد "مبهرة ،لا يدع لك مجالا لتخمين أحداثها، حولت لفيلم سينمائي بطولة تبدأ الحكاية أيام الطفولة ،حينما تغرق صديقة ناتان وحب حياته مالوري فيهب لإنقاذها، لكن بسالته أوقعت به، فقد وعيه حينها فاختار الرجوع بدل الاستسلام للنور في النفق،لكن لكل شيء ثمنا.
ناتان يصبح محاميا مشهورا ناجحا رغم أنه من عائلة متوسطة المستوى المعيشي، عاش مع أمه التي كانت تخدم بيت مالوري ، كان والداها يحتقراناهما كونهما أقل منزلة اجتماعية منهم، كما عارضا زواجه من مالموري غير أنها أصرت على رأيها وتزوجته، أنجبا طفلين ، فتاة وصبي . عاشا بانسجام تام في بادئ الأمر ، رغم أن ناتان كان دائم الانشغال لتحسين مستواه الاجتماعي ليغيض عائلة مالوري المرموقة وظنا منه أن ذلك سيسعد مالوري، وستنظر إليه بعين الرضا والتقدير، لم يكن يدرك أنها كل ماتحتاجه هو قضاء الوقت سوية فحسب، تنقلب حياته رأسا على عقب حين تتركه جليسا لابنه الرضيع، يتوفى الصبي لنومه على بطنه دون أن ينتبه له والده، فينشغل ناتان أكثر بعمله هربا من عذاب الضمير وتزداد الفجوة بين الزوجين فيحدث الانفصال فالطلاق.
يزوره مرة غورديش طبيب يحدثه عن المبشرين وكيف أنه يرى الهالة حول الشخص الذي يقرب أجله، يفهم ناتان أنه على وشك الموت ، فيحاول بشتى الطرق تقريب عائلته مجددا ولم شملها ،يزور عائلة مالوري لاصطحاب ابنته التي تعلقت به كثيرا لزيارة جديها .
والد مالوري يصدم طفلا وهو تحت تاثير الكحول عندما كان يقود سيارة صهره ،ويفر هاربا ، فبفعلته تلك يخلط أوراق ناتان مجددا ؛يتحمل الجريمة وحده، خوفا من تفكك عائلته الصغيرة وحفاظا على سمعة أهل زوجته كما ضحى بمركزه واسمه إيمانا منه أن أيام حياته معدودة.
أخفى السر عن زوجته لأنه قرر الاستمتاع لأقصى حد مع عائلته قبل الفراق، لكن المفاجاة هي رؤيته للهالة التي ذكرها غورديش حول زوجته مالوري فتحل الصاعقة حين يكتشف أن الطبيب حاول إخباره أنه سيكون مبشرا عكس ما ظن هو ، وأن زوجته هي من حان وقت رحيلها . يلزم نفسه على الاعتناء بزوجته وطفلته إلى أن يحين وقت الفراق...
قصة رائعة بحبكة ناجحة وأسلوب سلل ينتقل من حدث لآخر دون إشعارك بالملل.رسالتها أن على المرء قضاء أوقاته مع محبيه وضبط الأولويات وخير استثمار في الحياة هو الإستثمار في العلاقات الانسانية مع الأشخاص المقربين، وعلى الإنسان التنازل بعض الأحيان عن بعض النجاحات المادية في سبيل تحقيق السعادة الشخصية، فالمال وحده لا يكفي لبناء أسرة متماسكة،والرضا بالقضاء والقدر والتعايش مع الظروف التي قد تفرض علينا .كتاب بخمس نجوم نموذجي ممتع خال من الحشو ، أعتقد أنه لن يكون الأخير بالنسبة لي من كتب غيوم ميسو.
تعريف بالكاتب:
غيوم ميسو كاتب فرنسي ويعد واحدا من أشهر مؤلفيها مؤخرا،ولد عام 1974. انتقل للعيش في الولايات الأمريكية المتحدة بعمر التاسعة عشر، ثم عاد لوطنه ليغدو من ألمع روائييها، درس بجامعةنيس صوفيا أتيبوليس، من أهم مؤلفاته؛ لأنني أحبك،فتاة من ورق، سنترال بارك ،غدا،بعد سبع سنوات، كما حاز على جائزة فارس وسام الفنون والآداب.