السبت، 6 يناير 2018

البوصلة القرآنية لأحمد خيري العمري


مراجعة لكتاب بوصلة القرآن للكاتب العراقي أحمد خيري العمري:


البوصلة القرآنية لأحمد خيري العمري
                                                                                       الصورة من www.goodreads.com
    
    قراءة هذا الكتاب كان اكتشافا جديدا بالنسبة لي أولا اكتشاف كاتب جديد خرج عن المألوف؛ موضوعه  غير مستهلك وله رؤية جديدة في دراسة وتفسير القرآن الكريم ،غير أن هذا الكتاب ليس تفسيرا لكتاب الله، إنما نظرة شمولية  للمنهج الذي  على الفرد المسلم أن يتبعه في فهمه للقرآن و إسقاطه على واقعه ليحيا حياة طيبة ليكون الخليفة الذي أراده الله في الارض ،فيكون معمرا فيها غير متخاذل ولا منحصرا في ملازمة سجادته ومحرابه.

تناول الكتاب ثلاثة محاور أساسية فابتدا بالحديث عن الخطوط الرئيسية التي ارتكز عليها الخطاب القرآني، والتي بنت اللبنة الأولى للجيل الأول للإسلام ،كان جيلا  فذا، حقق معجزة وغير العالم خلال مدة زمنية تعتبر وجيزة،وهذي الخطوط التي ارتكز عليها الخطاب القراني هي :التساؤل ،البحث عن الأسباب الإيجابية والبحث عن المقاصد. لكن المؤسف للأمر هو أن هذه الأساسيات مفقودة في الخطاب الديني المتداول والسائد في عصرنا هذا. في الجزء الثاني من الكتاب بحث الكاتب عن العوامل التي أدت لحدوث الشرخ بين تلك العناصر وبين الخطاب الديني السائد والذي برره الكاتب بحقبة تاريخية مبكرة وكانت مفصلية في التاريخ الإسلامي، أما في محوره الثالث فيتناول خطوط النهضة وعلاماتها في القرآن الكريم من خلال قراءة جديدة لسورة الكهف ،فتنطلق النهضة ابتداءا مع فتية الكهف وتنتهي الى ذي القرنين.

بداية تحدث الكاتب عن الفرق بين الرسالات السماوية السابقة ورسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ،فوحدها رسالة الاسلام خاطبت عقل الانسان مباشرة ودعته للتفكر والتدبر في الكون للوصول إلى خالقه، أما عن الرسالات السابقة فكانت تركز على معجزات لا يستطيع العقل استيعابها، فبذلك يستدل على قوة خارقة ليس للبشر يد فيها ،بينما  الإسلام فمفتاحه الأول هو العقل وحده،وأول كلمة جاء بها الوحي هي كلمة (اقرأ). 

إبراهيم عليه السلام كما ورد في القرآن الكريم أحاط به الشك حول الخالق عز وجل فبعقله توصل الى خالق أحد لهذا الكون وأفرده بالعبادة وهذا السؤال الابراهيمي والشك نحن أحق به كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم .هذا الكون يسير بمنظومة سببية عقلانية، لكن البعض يلغيها  ،فكل ما يحصل من ظلم وقهر وطغيان في الأرض  يزعمون أن  الفاعل الحقيقي هو الله ولا فاعل غيره، وهذا قول بعيد كل البعد عن الصواب لكنها للاسف صارت عقيدة ؛ إلغاء المنظومة السببية يعني قتلا للعقل المسلم، لأن الإستعمال القرآني للفظة العقل كان دوما مرتبطا بشكل واضح بين الأسباب والمسببات في الظواهر الطبيعية بشكل خاص،وإلغاء الربط يعني رفعا لمفهوم العقل أو قتله أو في أحسن الأحوال إعادته للمفهوم الجاهلي. الإمام الغزالي أحد أئمة الفكر التقليدي، ألغى هذا النظام السببي والمفارقة هنا هي كونه دافع ضد الفلاسفة الذين قالوا بإستحالة وجود المعجزة ،ولكن رده أصلا هو إنكار للمعجزة، لأن المعجزة هي اختراق للنظام السبيي، فالنار لا تحرق إبراهيم مثلا،والعقل ليس هو شيء أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها،وبه يفرق عن سائر القوى المدركة، فمن من رفع الأسباب فقد رفع العقل مبطلا للعلم رافعا له،وابن تيمية خالف الغزالي في مقولته هذه ،فإذا أبعد العقل ازدهت الخرافة وعشعشت .

 ورد في الكتاب أيضا أن عرب الجزيرة العربية كانوا يحتقرون العمل بالزراعة والأعمال اليدوية كالحدادة، فيعتبرونها إهانة للأشراف ولا تليق سوى بالعبيد، سلم من الإحتقار الرعي والتجارة اللذان كان يزاولهما علية القوم آنذاك، إلا أن الخطاب القرآني كان صفعة للذين احتقروا مكانة العمل ، الفلاحة والأعمال اليدوية على وجه الخصوص. وردت كلمة ( العمل يعملون ، وعملا ،،) في عدة مواضع في القرآن الكريم، واستحقار العرب للعمل  وأنفتهم عن مزاولة الاعمال اليدوية كان السبب الرئيس في تخلفهم عن الركب الحضاري والتطور . نقطة مهمة شدت انتباهي هي أنه لم يرد في الكتب السماوية السابقة أن الملائكة سجدت للانسان عكس القرآن ، فأزال بذالك النظرة الدونية التي كان الانسان ينظر بها لنفسه، فبدلا من احتقار النفس التى كرستها الشرائع السابقة صار الإنسان أعلى مرتبة من الملائكة.

فترة خلافة عمر الخطاب كانت من أعظم الفترات التي شهدها الإسلام وازدهر فيها سواء فيما يخص الفتوحات الإسلامية أو الوضع الإجتماعي الذي ساد الدولة الاسلامية آنذاك  ،وكل ذلك تحقق من خلال الشخصية العظيمة لعمر بن الخطاب و فهمه العميق للخطاب القرآني ومقاصد نصوصه وتطبيقه لها،فعمربن الخطاب وافق القرآن  قبل نزوله في 3 مقترحات صادق عليها الخطاب القرآني فيما بعد :إصراره على عدم الصلاة على المنافقين، إقتراحه احتجاب زوجات الرسول صلى ،و اقتراحه تطليق زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب مشاكل الغيرة والتنافس القائمة بينهن (ابنته حفصة كانت من بينهن)، وكذلك وافق القرآن في اقتراحه بشأن أسرى بدر. كلها اقتراحات صادق عليها القرآن فيما بعد ،فلم يكن عمر يسترق السمع إلى الوحى ولا تجسسا منه على الملائكة ،إنما كان فهمه للمقصد القرآني وتسلسله فهما عميقا ،كان نتيجة العقل وإعماله في آن واحد و ربطا بين الخطاب القراني والواقع .

الإمام الشاطبي كان من العلماء القلائل الذين حادوا عن الفكر التقليدي واتجه نحو فقه المقاصد للنص القرآني أي جوهر الخطاب و المقصد منه ، على سبيل المثال فالإسلام لم يحرم الزواج من كتابية عند نزول أول الوحي ولا يوجد أي نص قراني  يقول بخلاف  ذلك ؛ في صدر الاسلام  عندما كان المجتمع الإسلامي قويا ومركزا للاستقطاب و الإجتذاب  ،كان الزواج من كتابية يعني انصهارها وذوبانها في المجتمع الجديد الذي كان متمسكا بالخطاب القراني ومقاصده، فكان من المستحيل أن تأخذ الأم بأولادها بعيدا عن دينهم الذي هو مجتمهعهم ومجتمعها أيضا، أما اليوم ما نعيشه من تفكك اجتماعي وتبعية تجاه الغرب في كل المجالات وفي ظل غياب الوعي الديني أو انعدامه فالزواج من غير المسلمة يعد تكريسا لضياع دين الأولاد  بل تشجيعا له وإن كانوا مسلمين بالهوية، رغم لا نص قرآني يخالف هذا الزواج إلا أنه يخالف مقصد النص ويخالف المقصد من الزواج الإسلامي نفسه.

أما عن خلافة معاوية بن أبي سفيان التي دامت قرابة العشرين سنة، فكانت بخلاف ما سبق فمعاوية لم يتوانى عن إخراج نصوص الخطاب القراني عن مقصدها الحقيقي، وذلك كله لخدمة سياسته و استمراره في الحكم ،فعند ذلك المنعطف العتيق ولجنا عصر الانحطاط،و الوليد بن يزيد لم يكن بأحسن حالا ،فلقد كان رائدا في الخلاعة والمجون ، إضافة الى إظهاره الشراب والمعازف والملاهي،روي أيضا انه رمى المصحف بالسهام أكثر من مرة لانزعاجه من آيات ورد فيها وعيد لأمثاله، وروي عن يزيد بن معاوية أنه صلى بالناس الفجر مرة وهو سكران، فزاد فيها ركعة،وما ورد في استباحهتهم لدماء المسلمين ،فحير في امرهم أكفار هم أم مسلمون، وما واجب الأمة نحوهم ان كانوا كفارا، من هنا بدا الخلاف حول مرتكب الكبيرة منطلقا من جذور سياسية .

في الجزء الأخير من الكتاب يدرس العمري سبل النهضة التي على الأمة اتباعها للتخلص من هذا السبات العميق الذي ألم بنا كمسلمين ،موضحا للمقاصد القرآنية التي وردت في سورة الكهف وقصة الفتية المؤمنين مرورا إلى ذي القرنين.


لديك سؤال؟ دعنا نساعدك بالاتصال بنا عبر صفحة خدمات