*عجائب البلاد والعباد*
كتاب لذيذ، متوسط عدد صفحاته 240 صفحة ، لم أستطع مقاومة حلاوة أسلوب الكاتب ، غادرني الكتاب حين اكتمل وحزنت لفراقه، غمرني ببهجة تقت إليها منذ زمن، كما قال في مقدمة الكتاب فالصدفة وحدها و ضياع الهارد ديسك المليء بالذكريات خلال سفرياته هو ما دعاه لكتابة هذا الكتاب فما أجملها من صدفة، فمحظوظ من تقع يده على هذا الكتاب، الذي يقص علينا فيه الكاتب بعض التفاصيل من رحلاته خلال أداءه لعمله (يشتغل كهربائيا في سفن الشحن)، ومتعة هذا الكتاب تأخذ وتيرة تصاعدية فكلما انتقلنا من بلد لآخر يزداد تعلقك بالكتاب وبشخصية الكاتب المرحة و الناضجة التي تتجلى في طريقة تعامله مع بعض المواقف رغم صغر سنه آنذاك.
بأسلوب ساخر لا يخلو من المتعة و النكتة ينقل إلينا تجربته، بداية يزور دبي في رحلة غاطفة امتدت لليلة واحدة فقط فلم يسرد كثير التفاصيل لكنه يسترسل خلال زيارته لسنغافورة التي سحرته بترتيبها و بانضباط ساكنيها واحترامهم لقوانين البلد و إشارات المرور خاصة ، و أبراجها الشاهقة ، وتعايش أفراد المجتمع السينغافوري رغم تباين أعراقهم و دياناناتهم.. وروائع أخرى يزخر بها هذا البلد الصغير العجيب.
رحلته القادمة إلى إندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية لم تعتنق الإسلام بحد السيف إنما بأخلاق التجار اليمنيين و العمانيين خلال رحلاتهم إلى هناك. تتوافر إندونيسيا على ثروات كبيرة بعكس سينغافورا إلا أنها لم تحذو حذو جارتها في النهوض باقتصادها . الوجهة الأخيرة كانت نحو أستراليا بلاد اللبن والعسل والمساحات الخضراء على مد البصر.
يدخل الكاتب كل مرة في مقارنة ساخرة بين الأوضاع في البلدان التي زارها وتلك في موطنه الأصلي مصر ، لا يخلو أسلوبه من الطرافة و التشويق بعيد عن التكلف ولن تشعر بالملل ولو للحظة خلال القراءة ، لا أنكر أنني توقعت كتابا بأسلوب ركيك تقليدي لكن لحسن الحظ خابت توقعاتي تماما ، ويعدنا الكاتب في الأخير بأجزاء أخرى يتم فيها سرد تفاصيل رحلاته. أرجو أن تكون الأجزاء بنفس الأسلوب والمتعة.
اخترت لكم من الكتاب:
" بدأت أستراليا تلوح في الأفق، وصرنا نرى أنوار المدن من بعيد، ولكنا وقفنا مرة أخرى، فما زال هناك الكثير من العمل حتى نحظى بالزيارة الشريفة للأراضي الأسترالية ونلمس بأيدينا على شبابيك مقامات أوليائها الصالحين، عسى أن نحظى بالبقاء في تلك الجنة الطاهرة التي تجبر كل قدم تطأ ثراها أن تدخل بيضاء من غير سوء أو جراثيم، ولهذا ظلت معظم أرضها خالية بلا سكان، وربما تظل هكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فمعظم المدن الأسترالية الكبيرة تقع في الجنوب، مثل 'ميلبورن، وبيرث و بيرث باين و أديلايت و 'فريمانتل' ، ثم المدينة الأشهر 'سيدني'، التي يظن الكثيرون أنها عاصمة أستراليا، لكن العاصمة هي مدينة أخرى صغيرة تسمى 'كانبيرا'، فالعبرة هنا ليست بكبر المدينة ولا بأهميتها، فكل المدن عند أولئك الناس سواء، ولا يمكن أن تختثر الوطن كله في العاصمة، وما سواها تصبح مجرد أجنحة تعيش على حبلها السري، الذي إذا ما انقطع ضاعت البلاد والعباد!! "