رواية موت صغير للكاتب السعودي محمد حسن علوان
موت صغير،للكاتب السعودي محمد حسن علوان عدد صفحاتها 592صفحة، صدرت له سنة 2016. نال عنها جائزة البوكر العالمية للرواية العربية في طبعتها العاشرة .
لا أعلم كيف أستفتح مراجعتي لهذه الرواية ! ، فيها كل شيء وخلت من كل شيء....تنتمي للأدب التاريخي لأنها سرد بديع لسيرة حياة المتصوف محي الدين بن عربي الأندلسي الحاتمي الطائي ، ربما تصنف ضمن أدب الرحلات لأن ابن عربي ما فتأ يرتحل من مكان لآخر فمن مرسية ، بجاية ، مصر ، بغداد، سلا، مراكش، تلمسان.. ، مكة المكرمة، ودمشق التي كان فيها مثواه الأخير في سبيل الوصول لأوتاده الأربعة.
كان يوسف الكومي الفاسي أول شيوخه ، هو من مهد له تلك الطريق الجليلة المحفوفة بالأخطار في آن واحد، تزوج فاطمة بنت المثنى أنجب منها زينبا لكنه فقدها بعد ذلك وهي في عمر صغيرة، تعددت أحداث الرواية فلا أكاد أحصي إلا القليل بكثير من التفصيل، وفي غمرة بحثه عن أوتاده الأربعة يمر بعدة أحداث عصيبة ومؤلمة فيفقد الرفقاء و الأحبة واحدا تلوى الآخر و تخور قواه تارة عندما يشعر بالتيه لا يعرف له سبيلا في الوصول لوتده التالي لكنه بقي صابرا جلدا عند كل نائبة منهمكا في عبادة الله وحبه .
يلتقي في مكة بزاهر الأصفهاني إمام المقام الإبراهيمي فيلازمه لمدة عام كامل مستنهلا من علمه ، أحب ابنته نظام التي كانت على قدر من العلم و النباهة و الجمال معا ما جعل ابن عربي يتعلق بها أيما تعلق ،نظم مااختلج في قلبه وما كابده من شوق شعرا جميلا ، أسماه ترجمان الأشواق. طلبها للزواج لكنها كشفت له أنها وتده الثالث وهذا ما حال بينه وبينها. يشد الرحال تارة أخرى ليلتقي بشمس التبريزي ومعه اكتملت عدة أوتاده الأربعة، يتوفى "الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر"في دمشق مخلفا وراءه وليدين و منهجا روحيا لم يفنى بفناء جسده المؤقت.
ما أشد اعجابي بخلق ابن عربي وببساطته لا توازي مقامه و بانسانيته التي استرسل الكاتب في تبيانها في كتابه ، خاصة مع مرافقه "بدر" وكيف لازمه في أيامه الأخيرة وحنوه عليه، يظهر الكاتب جانبا مميزا في شخصيته هذا الشيخ نفتقر إليها كثيرا في أيامنا خاصة تعامله بين أهله ومع الضعفاء من حوله .....
أحبك لحب "الأحباش" طرا
واعشق لاسمك "البدر" المنيرا
عن التصوف والصوفية سبق لي أن قرأت قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق حينها استطلت مدة قرائتي لها عن عمد لمدة قاربت الثلاثة أشهر لا لشيء ، لأطيل مدة استمتاعي بتلك الروحانيات التي غمرتني بها كلمات شمس التبريزي، لكن المخيب لي في كتاب محمد حسن علوان كان منذ بدايات الكتاب حتى السفر التاسع أين استرسل كثيرا في السرد حدثا بحدث عن حياة ابن عربي ، شعرت أن مراده كان مقتصرا على تفاصيل حياته والأحداث التي تصاحبت معها ، فركز على الشيخ الإنسان أكثر من أي شيء تناوله من هذا المنطلق مجردا إياه (ليس كلية) ولو جزءا يسيرا من الصفة التي التصقت بأذهاننا حوله ، حقيقة استمتعت بذلك السرد الأخاذ لسيرة هذا الشيخ لكنه لم يشبع روحي التي كانت تواقة لقراءة الكثير من كلمات ابن عربي نفسه عن حب الله و عن الزهد في الدنيا ، و عن دروسه لمريديه، فغايتي لم تكن مقتصرة عن الإلمام بسيرته بقدر ما كانت عن سحر كلماته التي تبهج الروح وتقربها إلى محبة الله، وإلا لكنت اكتفيت بقراءة وجيزة عن سيرته الذاتية ، فكما أشرت آنفا ربما احتوت على أبرز التنقلات في حياة ابن عربي لكنها خلت من تلك الروحانية التي يتسم بها هذا الشيخ الصوفي .
في الكتاب أيضا بعض التجاوزات التي لا أعلم صوابها من عدمه نسبت لابن عربي وفي ظني لا تليق بمقام ولي من أولياء الله الصالحين، خاصة فيما تعلق بسيرته مع نظام ابنة زاهر الأصفهاني.
رغم كل سبل الراحة التي وفرتها التكنلوجيا خاصة و الملذات التي أنعمها الله تعالى على انسان القرن الواحد والعشرين، إلا أنه خلال قرائتي لهذا الكتاب وكتبا أخرى تروي عن نفس الحقبة الزمنية أشعر بالغيرة من تلك الحياة التي عاشها أولئك الناس بعيدا عن كل هذا الزيف و المادية التي ابتلينا بها في أيامنا، وقتها يعرف للعالم الجليل مكانته الرفيعةو للصعلوك مكانته التي تليق به فأما وقتنا فاختلط الحابل بالنابل وغدى المداح ينزل منزلة السيادة والتوقير فينا ولا يعرف للعالم بيننا قدرا.
أما عن أسلوب الكاتب فسلس وبسيط غير متكلف ، أراهن على أن القارئ لن يشعر بالملل مطلقا بل يجبرك الفضول على الإستمرار في اتمام تلك الأسفار بشغف كبير ولن يستطيع التوقف بسهولة متى ماحدثتك نفسك بذلك ، أشد ما تعلق بذهني وقلبي هو آخر ثلاثة أسفار الأخيرة ابتداءا من العاشر التي رأيتها مختلفة عما سبقها فكانت أكثر روحانية من غيرها.
من الاقتباسات التي سعدت بقرائتها :
"التصوف من غير خلق لا يعول عليه" - ابن عربي-
"لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقع جميع الخلائق" -ابن عربي-
......قال لي أحد المعزين: "آخر الأحزان يا سيدنا". ما أسخف هذه العبارة. لا هي أمنية فتتحقق، ولا دعاء فيستجاب. كلما رددها أحدهم سمعها الناس هكذا: "آخر الأحزان" وسمعتها أنا هكذا: "أتمنى لك الموت عاجلا قبل أن يصيبك الحزن التالي". من نحن بلا أحزان؟ كيف نأمن على أنفسنا بدونها ألا نتيه في أودية الغفلة مثل شياه ضالة؟ ما أحب الحزن إلى نفس الصوفي وما أمقته على نفس الجاهل الذي ألهته الدنيا. يريني الله في الطريق حزنا بعد حزن.