رواية بنات إيران للروائية ناهيد رشلان
بنات إيران للروائية الإيرانية "ناهيد رشلان"، تشارك القراء فيها تفاصيل حياتها و ظروف مجتمعها التي اعتبرتها أكبر عائق لها لتحقيق أحلامها، بل هي رواية عن معاناة الأنثى في المجتمع الذكوري حين تتكبل بعادات بالية و حكومة فاشلة.
تسرد قصتها في ثلاثة فصول إيران ، أمريكا و أرض الجواهر، ترعرعت ناهيد في طهران عند خالتها مريم حتى سن التاسعة ، في محيط دافئ تشبعت بعاطفة مريم وإهتمامها اللامتناهي بها فكانت والدتها الحقيقية التي لم تنجبها، تعلقت بها أيما تعلق ، وبصحيباتها اللاتي يغدقن عليها كثيرا من الحب و الحميمية التي ستفقدها فيما بعد مع عائلتها الحقيقية. أما مريم فامرأة تقليدية بامتياز متمسكة بتعاليم دينها على عكس كل شخصيات الرواية. كان أول جزء من الرواية الأكثر إنسانية ودفئا نجحت الكاتبة في نقل أدق التفاصيل حول حياتها مع خالتها فتشعرك أنك تشاركهم تلك الجلسات و الأكلات التي تفوح منها كل أنواع التوابل المنتقاة بعناية ، وصباحات مريم المباركة التي تبتدئها بالصلاة والذكر ، نعمت ناهيد في سنوات عيشها مع مريم بحياة هانئة مليئة بالعطف والرحمة والألفة فيما عجزت محتدم والدتها البيولوجية حتى عن لعب دور الأم العادية .
تنتقل ناهيد للعيش وسط عائلتها المكونة من خمسة فتيات وذكرين كرها، لم تستطع التأقلم مع الجو الجديد ولا التخلي عن مريم والذكريات الجميلة التي جمعتهما التي بقيت محفورة بذاكرتها حتى بعد سنوات طويلة ، فيراودها الحنين كل مرة لاسترجاعها، ولم شملهما مجدادا، لكن هيهات تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
والد ناهيد رجل ثري ، يشتغل قاضيا يمتاز بشخصية صلبة و استبدادية حيال الإناث من عائلته ، أما زوجته محتدم فتابعة لزوجها ضعيفة الشخصية ، ما استشفيته من أحداث الرواية أنها غير مطلعة على مبادئ التعامل مع أبنائها والمراهقين منهم بشكل خاص ، وهذا في نظري ما ضخم من معاناة هذه العائلة التي توفرت على كل سبل الحياة السعيدة.
أليجة شقيقة ناهيد فتاة أفسد عليها دلالها الزائد شخصيتها و كان حجرة عثرة في طريق نجاح حياتها الزوجية، كانت علاقتها مع ناهيد مضطربة على الدوام بسبب الغيرة وتصرفات طائشة فلم تتسم علاقتهما بالوفاق بعكس باري التي كانت الصديقة الوفية لناهيد ، ومؤنستها وسط وحشة ذلك البيت الفارغ من المشاعر.
تمتعت باري بشخصية قيادية متحررة، تشاركت وناهيد حب المسرح و التمثيليات الرومانسية والسينما و حب قراءة الكتب التي كانت محظورة فكانت من خفف وطأة الحزن و الفراق عليها أيام غربتها عن مريم.
ركزت الكاتبة على قصة باري فكان كتابها كما قالت لإحياء ذكراها إلى الأبد، وقف والدها في وجه زواجها مع مجيد الشخص الذي أحبته بإخلاص وسلمها لزوج آخر مريض نفسيا فلم تحبه قط ولكن ثراءه و طبقته الإجتماعية شفعت له عند والدها، تخبطت باري في عدة مشاكل أنستها طموحاتها وأحلامها لكنها تحدت تقاليد المجتمع وتحصلت على الطلاق من زوجها بيد أن الثمن كان غاليا وهو حرمانها من طفلها الوحيد.
تتمكن ناهيد من الضفر بموافقة والدها للسفر إلى أمريكا لإتمام دراستها، وتحقيق حلمها لتصبح كاتبة والعيش بعيدا عن طوق الشاه و الأعراف الإجتماعية.
الرواية مليئة بالأحداث السياسية أيام حكم الشاه وثم إنقلاب رجال الدين لتصبح إيران جمهورية إسلامية يترأسها الخميني ، غير أن ظروف الإيرانيين لم تتغير للأحسن قيد أنملة إنما ازدادت سوءا وغدت أكثر صعوبة ودموية .لم تخلو الرواية من سرد لبعض التقاليد الإيرانية ومظاهر الحياة للمجتمع الإيراني خلال حقبتي الشاه والخميني معا.
"كم كنت أسعد لو أمكن مزج حياتي الحاضرة مع حياتي في تلك الأيام الغابرة. ربما لن أشعر بالحطام في داخلي، والشوق، والحسد لكل من لديه اتصال سهل بالوطن والأحبة . إنه الثمن الذي أدفعه للإستقالا الذي قاتلت بشدة لأجله"
كلمات عبرت بها ناهيد عن آمالها التي لن تتحقق فحتى بعد سفرها لأمريكا وتحقيق حلمها بالكتابة والتحرر من سطوة الذكر إلا أنها لازالت تحن لوطنها والدفئ الذي عاشته في طهران بصحبة مريم ، و شقيقتها باري التي فقدتها .....
أسلوب السرد بسيط متسلسل وتعد الترجمة جيدة لحد ما ، والجزء الأول من الكتاب بنظري كان الأحسن خاصة طريقة السرد ، استرسلت الكاتبة في بعض المواقع شعرت خلالها بالملل ، لكن القصة بمجملها تستحق القراءة .
حقيقة خلال قراءتي للرواية لم أستشعر تلك المعاناة الكبيرة التي تحاول ناهيد إيصالها لنا ، فما عاشته لا يقارن بحجم معاناة كثير من الناس والنساء بوجه خاص في عدة أقطار فقيرة أو مضطهدة في العالم، أو أنها تمنعت عن ذكر كثير من التفاصيل لحاجة في نفس يعقوب، كما لاحظت أن بعض الشخصيات تعاني من بعض العقد النفسية و الإزدواجية ، لكنك حتما ستستمتع بقراءتها خاصة في البداية كما ذكرت سابقا .